– كقائد حرب يُعدّ لها العِدّة ظهر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فهي لحظته التاريخية التي انتظرها طويلاً ولن يدعَها تضيع، ولن يسمح لأحد مهما كلّف الأمر أن يسرقها أو يحوّلها عن المسار الذي يجب أن تسلكه وصولاً للحظة الحاسمة. فخلال سنوات ما بعد حرب تموز استعدّت المقاومة والسيد نصرالله على رأسها لهذه المواجهة، ولما جاءت الحرب على سورية حاولت تفاديها، وكلما اتضح أنها جزء من الحرب الكبرى حول فلسطين صارت حرب المقاومة، حتى رسم نصرها، وتعاظمت قوة المقاومة، وهي تتساءل كيف ستربط تظهير فائض قوّتها في جبهتها الرئيسية لقتال «إسرائيل»، واكتفت بضمان لعبة التدافع عبر الجنوب السوري لتربحها في الدبلوماسية بحرمان «إسرائيل» من تحقيق أيّ مكسب يخفّف من وطأة خسائرها في حروب المنطقة، وكلها حروب بالوكالة مع «إسرائيل»، من انفصال كردستان إلى حرب اليمن والصواريخ اليمنية، وصولاً إلى حرب الحدود السورية العراقية، وما بينها حرب الفتنة التي صُمّمت من خلال احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية واستقالته، وقد خاضتها المقاومة جميعها وربحتها حتى صارت «إسرائيل» وجهاً لوجه أمام الجدار، وصار خيار الحرب الانتحارية وحده يحفظ لها ماء الوجه، حتى تفتقت العبقرية الأميركية «الإسرائيلية» عن قرار ترامب الأخير تعويضاً معنوياً لـ»إسرائيل» عن الخسائر وربحاً معنوياً ظاهراً، ورسماً لحدود المواجهة المقبلة من وراء أسوار القدس بصفتها عاصمة «إسرائيل» المزعومة.
– في مثل هذه اللحظات لا تنشغل المقاومة بالمفاضلة للإجابة عن سؤال افتراضي، أليس هذا من مصلحة المقاومة أن تمنح شرف خوض حربها للدفاع عن القدس، بدلاً من أن تكون حرب الدفاع عن وجود المقاومة؟ وها هي الفتن تسقط على أسوار القدس قبل أن تبدأ الحرب، ومعها تسقط أوهام التسويات والمفاوضات، وتندلع الانتفاضات، وتتوحّد المقاومات. هنا يصير همّ المقاومة كما بدا في كلام سيدها، الانشغال بما هو كائن، وما يجب أن يكون وما سيكون، وليس بما كان يمكن أن يكون، فلتنشغل «إسرائيل» وأميركا بالسؤال عما إذا كانت حساباتهم الخاطئة تجعلهم دائماً يصلون متأخرين؟
– المهمّ أنّ المقاومة تستعدّ لحربها، وقد ترسملت من الحروب التي خاضتها مزيداً من الجهوزية والانتصارات والسلاح والمقدّرات والتحالفات، والخبرات. وها هي تُنهي هذه الحروب، قبل أن تدخل حربها الكبرى التي انتظرتها طويلاً، وفي الطريق إليها ترسم الخطوات بدقة، وعناوينها، أوّلها تأمين أوسع مروحة من العزلة للعدو، قوامها مَن كانوا أطراف التفاوض والتسوية معه، ويستشعرون بالصفعة التي تلقّوها منه اليوم، وبالتوازي ضمان أوسع مشاركة شعبية في نصرة القدس وفلسطين، وشارعها الذين كانوا مستهدَفين بالتعبئة والدعوات للتظاهر ضدّ المقاومة تحت عناوين مذهبية وطائفية، ويكتشفون هويتهم الحقيقية مع القدس ومَن معها في الميدان وقد سقطت الأقنعة عن الوجوه، وعلى ضفة موازية رصّ صفوف المقاومين وفصائلهم وجيوشهم وأسلحتهم، لإدارة هادئة غير متوتّرة، محسوبة غير متهوّرة، لتدرّج يواكب التصاعد الطبيعي والمنهجي في المواجهة، وهذا يستدعي ترتيب بيت قوى المقاومة وتصالح أطرافها بعد كلّ ما جرى، وطيّ صفحات الانقسام، وقد عقدت للسيد القيادة في محوره ليكون هو المايسترو لهذه الحروب الثلاثة، حرب الدبلوماسية وحرب الشارع وحرب العسكر، وقد حدّد لكلّ حرب سقفها وخريطة طريقها.
– خطاب السيد نصرالله خريطة طريق حربه، بمثل ما هو خريطة طريق القدس… هذا هو نصرالله… هذا حفيد محمد… هذا نشيد علي… هذا بشائر عيسى… هذا نصرالله.